تنهار الدول بكثرة المنجمين والأفاقين والمتفقهين والانتهازيين ًوتعم الإشاعة وتطول المناظرات، وتقصر البصيرة ويتشوش الفكر
ابن خلدون
من غير الماء
من غير الماء
كلمة ألمحرر
القرأءة طبياً
ما تقرأه هنا هو نتاج علم ومعرفة وخبرة لإيصال النصائح للمريض وللسليم على حد سواء، تتناقل بين الكُتًاب والقُراء كل على طريقة صياغته واسلوب شرحه. ومع ذلك، فستبقى غرفة الفحص والعلاقة بين المريض والطبيب المعالج، هي المكان الافضل لمثل هذه التبادلية.
اقد تحولنا في جورداتا من com. إلى net. لتعكس لاتجارية الموقع. يستطيع كل الاعضاء إستعمال نفس كلمة السر والكنية من الموقع السابق للدخول.
مع تحيات أسرة التحرير.
من غير الماء -- ضمن قسم : ثقافة
:- المحرر في يوم 22-03-2022
ألساعة:07:37 -عمان
تمثل المياه ما يترواح بين نحو 60 و70 في المئة من جسم الإنسان، وقد تزيد هذه النسبة أو تنقص بحسب السن. ويفقد الجسم الماء عبر التبول والتعرق والتغوط والتنفس، ويتعين علينا أن نعوض هذه المياه التي نفقدها باستمرار بالشرب أو بالأكل - ثلث المياه التي نستهلكها تقريبا تأتي من الطعام - حتى لا نصاب بالجفاف.
تبدأ المرحلة الأولى من الجفاف، بالعطش، الذي نشعر به عندما نفقد اثنين في المئة من وزن الجسم. ويقول ديليب لوبو، أستاذ جراحة المعدة والأمعاء: "عندما نشعر بالعطش، يتشبث الجسم بجميع المياه المتبقية. فترسل الكلى كميات أقل من المياه إلى المثانة، ومن ثم يصير لون البول داكنا. وعندما يقل العرق ترتفع درجة حرارة الجسم. ويصبح الدم أكثر كثافة ولزوجة. وللحفاظ على مستويات الأكسجين في الدم، يتسارع نبض القلب".
وتتفاوت وتيرة ظهور أعراض الجفاف من شخص لآخر، بحسب الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الجسم. لكن إذا مارست تمرينات شاقة في درجة حرارة نحو 50 درجة مئوية مع عدم وجود ماء، قد يصبح الجفاف قاتلا. ويقول لوبو: "هناك حد أقصى للحرارة التي يتحملها البشر، إذا تجاوزته قد تعاني من الإجهاد الحراري وربما الوفاة. وترتفع معدلات الوفيات في الأيام شديدة البرودة، لكنها ترتفع ارتفاعا حادا في الأيام شديدة الحرارة".
وعندما نمارس التمرينات في بيئة حارة، قد يفقد الجسم ما يتراوح بين 1.5 لتر و3 لترات من المياه في الساعة بسبب العرق، وقد نفقد من 200 إلى 1,500 ملليلتر من المياه أيضا عبر الزفير، بحسب نسبة الرطوبة في الجو.
وقد يترك ذلك أثرا بالغا على الجسم. وقد يصيبنا الجفاف المعتدل بالتعب والإجهاد، وتتراجع قدرتنا على الأداء البدني. وإذا فقدنا المزيد من المياه، تقل قدرتنا على تبريد الجسم بالتعرق، ومن ثم ترتفع درجة حرارة الجسم ارتفاعا ملحوظا.
فإذا أخرج الجسم كميات تفوق ما يستهلكه من المياه، يصبح الدم أكثر كثافة وتركيزا، ومن ثم سيجد الجهاز القلبي الوعائي صعوبة في الحفاظ على ضغط الدم في المعدل المناسب.
وتعوض الكلى نقص المياه في أجسامنا من خلال الحفاظ عليه بتقليل كمية البول، ويتدفق الماء من خلايانا إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى انكماش حجم الخلايا. وعندما نفقد أربعة في المئة من وزن الجسم في صورة ماء، نصاب بهبوط الضغط والإغماء.
وفي المرحلة الثالثة من الجفاف، إذا فقدنا سبعة في المئة من وزن الجسم، قد تتضرر أعضاء الجسم. ويقول لوبو: "يجد الجسم مشقة في الحفاظ على ضغط الدم. ولكي تبقى على قيد الحياة، يتدفق الدم ببطء إلى أعضاء الجسم الأقل أهمية، مثل الكلى والأمعاء، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار بها. فإذا توقفت الكلى عن ترشيح الدم، ستتراكم النفايات الخلوية، وفي هذه الحالة، أنت تموت من أجل شربة ماء بالمعنى الحرفي".
لكن بعض الناس أكثر قدرة على تحمل الجفاف الشديد، بل ويمكنهم أيضا الحفاظ على مستوى أدائهم رغم العطش. ففي ماراثون عام 1984، فقد العداء ألبرتو سالازار، كميات كبيرة من المياه عن طريق العرق قدرت بنحو 3.6 لتر في الساعة في قيظ الصيف في لوس أنغليس، وفقد ثمانية في المئة من وزن جسمه. لكنه عوض هذه الكميات من المياه سريعا بعد انتهاء الماراثون وتابع حالته فريق طبي.
ويتكون البول لدى الشخص السليم من ماء بنسبة 95 في المئة، أما النسبة المتبقية فتتكون من النفايات التي تزيلها الكلى من الجسم، مثل الأملاح والأمونيا. وعندما يصاب شخص بالجفاف يقل محتوى الماء في البول ويصبح مذاقه أشبه بمياه البحر.
ويقول لوب: "إن شرب البول قد يكون آمنا على المدى القصير لتعويض السوائل المفقودة، لكن رد فعل أعضاء الجسم للجفاف هو الحفاظ على الأملاح والمياه، ومن ثم يقل البول الذي يخرجه الجسم وقد يصاب المرء بالقصور الكلوي الحاد وانقطاع البول. ولهذا فإن كمية البول بعد فترة لن تكفي لتعويض السوائل التي فقدها الجسم".
وقد تساعد الأملاح التي أضافها باول في تعويض كمية الأملاح والسكريات التي فقدها الجسم، لكنها قد تسبب زيادة الأملاح في الدم عن المستوى المطلوب، وهذا قد يؤدي في الحالات القصوى إلى الإصابة بالتشنجات ونزيف المخ.
وتسبب المستويات المعتدلة من الجفاف، أي فقدان اثنين في المئة من وزن الجسم، ضعف الذاكرة قصيرة المدى، وتراجع القدرة على الانتباه والتيقظ وحل المسائل الرياضية ومهارات التناسق الحركي، ولا سيما عند بذل مجهود شاق في بيئات حارة. وربطت بعض الدراسات بين الجفاف وبين الهذيان، خاصة لدى المرضى كبار السن.
وتتفاقم أعراض الجفاف في البيئات الحارة. وتقول كوكسون: "إن عجز الجسم عن تنظيم الحرارة، قد يؤدي إلى تدمير الإنزيمات الحيوية في المسارات الأيضية، وقد تتوقف من أثر ذلك أعضاء الجسم، مثل الدماغ والقلب والرئتين". وعندها يدخل المريض في غيبوبة وقد يلقى حتفه عندما تفشل أعضاء الجسم الواحد تلو الآخر.
أما عن أقصى مدة يتحملها جسم الإنسان من دون ماء، فيرى معظم العلماء أن البشر يمكنهم تحمل الجوع والعطش لبضعة أيام فقط.
وفي عام 1944، حرم عالمان أنفسهما من الماء، أحدهما لثلاثة أيام والآخر لأربعة، لكنهما تناولا أطعمة جافة فقط. وفي اليوم الأخير، وجد الاثنان صعوبة في البلع، وأصبحت وجوههما شاحبة وهزيلة، لكنهما أوقفا التجربة قبل أن تتردى حالتهما الصحية.
وتتفاوت القدرة على تحمل العطش من شخص لآخر، فثمة أدلة تشير إلى أن الجسم البشري يتأقلم مع الكميات التي يستهلكها الشخص من المياه.
ففي عام 1979، بقي أندرياس ميهافيتش، عامل بناء نمساوي كان يبلغ من العمر 18 عاما، لمدة 18 يوما من دون ماء، بعد أن حبسه ضباط شرطة في زنزانة ونسي أمره. وسُجل رقم قياسي باسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ربما من المستبعد التعرض لهذا النوع من الجفاف الشديد، لكن تقريرا للأمم المتحدة أشار إلى أن أربعة مليارات شخص حول العالم يعانون من ندرة المياه لمدة شهر على الأقل في السنة. وقد يصبح الحصول على إمدادات المياه النظيفة أكثر صعوبة في الكثير من البلدان حول العالم بسبب تغير المناخ. وتشير بعض التقديرات إلى أن ثلثي سكان العالم سيعانون من ندرة المياه بحلول 2025.
وقد أمضى باول عشر ساعات من دون ماء في الحر القائظ، وبعد أن استراح لمدة أسبوع في ليفنغستون بزامبيا، استأنف رحلته التي أكملها في 137 يوما. وكانت تجربته درسا في الصبر وتعلم منها تقدير قيمة المياه. ويقول: "لم أعد أظن أن المياه لن تنضب أبدا".