تنهار الدول بكثرة المنجمين والأفاقين والمتفقهين والانتهازيين ًوتعم الإشاعة وتطول المناظرات، وتقصر البصيرة ويتشوش الفكر
ابن خلدون
ملف للدغات الأفاعي
ملف للدغات الأفاعي
كلمة ألمحرر
القرأءة طبياً
ما تقرأه هنا هو نتاج علم ومعرفة وخبرة لإيصال النصائح للمريض وللسليم على حد سواء، تتناقل بين الكُتًاب والقُراء كل على طريقة صياغته واسلوب شرحه. ومع ذلك، فستبقى غرفة الفحص والعلاقة بين المريض والطبيب المعالج، هي المكان الافضل لمثل هذه التبادلية.
اقد تحولنا في جورداتا من com. إلى net. لتعكس لاتجارية الموقع. يستطيع كل الاعضاء إستعمال نفس كلمة السر والكنية من الموقع السابق للدخول.
مع تحيات أسرة التحرير.
ملف للدغات الأفاعي -- ضمن قسم : باطني
:- المحرر في يوم 26-02-2022
ألساعة:10:34 -عمان
تؤدي لدغات الأفاعي السامة إلى وقوع 138 ألف حالة وفاة سنويا حول العالم، لكن هل من الممكن أن تساعد بعض الابتكارات البسيطة في إنقاذ الأرواح؟ يقول توكارام راو، عامل في إحدى المزارع بقرية راثنابوري بولاية كارناتاكا جنوب غربي الهند: "عندما تهب الرياح الموسمية تنمو الأعشاب الضارة بوتيرة أسرع من المعتاد. ونضطر للمشي ليلا وسط هذه الأعشاب لتشغيل مضخة المياه لري النباتات في الحقل. فإذا تعطلت المضخات، نتلمس طريقنا في الظلام بمحاذاتها لإصلاحها بأدينا".
وكحال الكثيرين من العاملين في المزارع في الهند، يتجول راو وجيرانه في الغالب حول المزرعة حفاة الأقدام. لكن ثمة عدو، أكثر خطورة من المياه المتسربة من الأنابيب، يتربص بهم وسط النباتات والشجيرات الكثيفة، التي تعد البيئة المثالية لأفعى راسل، وهي أفعى ضخمة وشديدة السمية ولونها يشبه لون التربة. وتعيش هذه الأفعى في مناطق عديدة من الهند وأجزاء أخرى من جنوب آسيا.
وتنشط هذه الأفاعي ليلا وتتقن التربص بالفريسة للهجوم في الوقت المناسب. إذ تظل ساكنة لفترات طويلة حتى تجد فريستها وتنقض عليها بشراسة. وتتغذى في الغالب على القوارض أو الضفادع الصغيرة التي تمر أمامها في الحقول. لكن على الرغم من أنها لا تفترس البشر، إلا أنها تسببت في أكبر عدد من اللدغات والوفيات في الهند مقارنة بسائر أنواع الأفاعي الأخرى. وتشير التقديرات إلى أن 43 في المئة من لدغات الأفاعي في الهند وما يتراوح بين 30 و40 في المئة من لدغات الأفاعي في سريلانكا، سببها أفعى راسل.
وذلك لأن هذه الأفاعي تزحف ببطء شديد بين الحشائش حتى تكاد تظن أنها لا تتحرك، ويساعدها لونها البني والأخضر في التخفي وسط العشب نهارا. ويستحيل رؤية هذه الأفاعي ليلا، وقد يدوس المزارع الذي يعمل في المزارع التي تغمرها المياه أو بين النباتات الكثيفة برجله إحدى الأفاعي دون أن يدري أو يزعجها. وعندما تشعر هذه الأفاعي بالتهديد، تصبح عدوانية وتضرب الضحية بأنيابها بعشوائية.
ويقول راو، البالغ من العمر 48 عاما: "أحيانا تبتعد هذه الأفاعي وأحيانا نتعرض للدغاتها". وتثير هذه الأفاعي الرعب في قلوب معظم المزارعين ويهربون مذعورين في حالة مصادفة واحدة منها.
ويتعرض نحو 2.8 مليون شخص للدغات الثعابين في الهند سنويا، وهو ما يؤدي إلى وقوع 50 ألف حالة وفاة. وراح أكثر من 1.2 مليون شخص على مدى العقدين الماضيين ضحية للدغات الأفاعي في الهند وحدها، بحسب دراسة تحليلية أخيرة. وتؤدي لدغات الثعابين على مستوى العالم إلى وقوع ما يتراوح بين 81 ألف و138 ألف حالة وفاة سنويا، بحسب بعض التقديرات.
وقد تؤدي لدغة الثعبان السام إلى إصابة الناجين بعاهات مستديمة. ويقول راو: "تعرض أحد المزارعين مؤخرا للدغة أفعى في ساقه بينما كان يقتلع الأعشاب الضارة من مزرعة الكركم، وتسببت في موت الأنسجة حول الكاحل وتعفنها، وانتشر تلف الأنسجة إلى الركبة، وأصبح الآن عاجزا عن تأدية أية أعمال"، واضطر الأطباء في النهاية لبتر جزء من ساقه، ما دفع زوجته لمزاولة أعمال إضافية حتى تنفق على الأسرة. وهذه الحالة ليست نادرة.
وتقول لاورا أوانا ألبوليسكو، التي تدرس سموم الأفاعي بكلية ليفربول للطب المداري في المملكة المتحدة: "يصاب نحو 400 ألف شخص سنويا بعجز دائم جراء التعرض للدغات الأفاعي، فقد يصابون بنخر أنسجة أحد الأطراف الذي يستدعي البتر، أو التشوهات أو العمى. ولم تجر أبحاث عن العواقب النفسية للدغات الثعابين إلا مؤخرا، فالكثيرين يعجزون عن العمل أو يسقطون في براثن الفقر بسبب ارتفاع تكاليف العلاج، وتنعدم فرص الفتيات اللائي أصبن بعجز دائم في الزواج أو العمل".
وأشارت مبادرة "سنيكبايت" العالمية غير الربحية، إلى أن نحو 2.7 مليون رجل وامرأة وطفل على مستوى العالم يصابون بإصابات خطيرة جراء التعرض للدغات الأفاعي.
وصنفت منظمة الصحة العالمية التسمم الناجم عن لدغات الثعابين، بسبب عبء المرض الذي يسببه على بعض المجتمعات، ضمن أمراض المناطق المدارية المهملة.
وتعد الآن لدغات الثعابين واحدة من أهم المشاكل الصحية المهملة التي تؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات الأكثر فقرا.
لكن لماذا تمثل لدغات الثعابين مشكلة جسيمة؟ تقول بوير: "لقد اكتشف العلماء طرق تصنيع مضادات السموم منذ نحو 120 عاما". صحيح أن الكثير من مضادات السموم فعالة نسبيا، إلا أن الطبيعة المعقدة لسموم الأفاعي، قد تجعل العلاج صعبا. ولا تتوفر مضادات السموم في الكثير من المناطق، وقد يكون العلاج بها باهظا.
وكل هذه العوامل دفعت البعض للبحث عن طرق أخرى للتعامل مع العبء الصحي الناجم عن لدغات الثعابين.
ويشارك راو وجيرانه في مشروع يهدف لمساعدة المجتمعات الأكثر عرضة للدغات الثعابين في حماية أنفسهم. واقترحوا حلا بسيطا إلى أقصى درجة، يتمثل في منحهم أحذية واقية مطاطية.
تحدث الغالبية العظمى من لدغات الثعابين في الهند عندما يطأ الناس بأرجلهم الثعابين دون أن يدروا، وقد تسهم الأحذية المطاطية السميكة في وقايتهم من لدغاتها
ويقول سومانث بيندوماداف، كبير مديري الحياة البرية والاستجابة للكوارث وبرنامج دارواد بجمعية الرفق بالحيوان الدولية في الهند: "يمشي الكثيرون في المجتمعات الريفية في الهند ليلا حفاة، وتحدث 90 في المئة من لدغات الثعابين عندما يدوس الناس بأرجلهم عليها دون أن يدروا".
وقدمت منظمته أكثر من 400 حذاء مطاطي و200 مصباح بالطاقة الشمسية لسكان البلدة والمنطقة المجاورة. ويقول بيندوماداف: "إن إعطاء الناس مصباحا وحذاء يغطي الكاحل قد يحدث فارقا كبيرا. فأنياب أفعى راسل، رغم أنها أطول من أنياب أي ثعبان آخر في الهند، من الصعب أن تخترق الأحذية المطاطية. ولا شك أن الوقاية من لدغاتها أفضل من علاجها".
وتتضمن سموم الثعابين خليطا معقدا من المواد السامة التي تختلف من نوع لآخر، وقد تتداخل بعض الإنزيمات والبروتينات الصغيرة في سموم الأفاعي مع الإشارات التي ترسلها الخلايا العصبية للدماغ، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث تقلصات مؤلمة وسريعة للعضلات أو الإصابة بالشلل. وكثيرا ما يصاب الضحايا بالاختناق بسبب توقف العضلات التي تتحكم في الجهاز التنفسي.
وتتضمن سموم بعض الأفاعي، مثل أفعى المامبا السوداء، مواد سامة ترتبط بخلايا عضلات القلب لإيقاف النبض. وتؤدي بعض المواد السامة التي توجد في الكثير من سموم الأفاعي إلى النزيف المستمر حتى الموت من خلال منع الدم من التجلط، في حين تسبب أخرى تحلل خلايا الدم ونقص الأكسجين. وتؤدي بعض المواد السامة إلى تجلط الدم في أوردة الضحية، أو تهاجم خلايا أعضاء الجسم الرئيسية. وقد تولد بعض المواد السامة ردود فعل مناعية شديدة أو تؤدي إلى موت الأنسجة في الأطراف وتعفنها.
حل بسيط لمواجهة لدغات الأفاعي
تتضمن سموم الكثير من الثعابين توليفة من المواد السامة المختلفة التي قد تسبب عدة آثار في آن واحد، ولهذا فإن علاج لدغات الثعابين ليس بالأمر الهين.
وتقول بوير: "إن لدغة ثعبان واحد قد تحقن مئات المواد السامة بنسب متفاوتة في جسم الضحية، ولا يمكن استخدام دواء واحد من الأدوية ذات الجزيئات الصغيرة لعلاج جميع اللدغات".
وتصنّع مضادات السموم من خلال استخراج السم من الثعبان وحقن كمية صغيرة منها في الخيول ثم جمع الأجسام المضادة التي تنتجها أجسامها. وتنقى هذه الأجسام المضادة وتعطى لضحايا اللدغات لإبطال مفعول المواد السامة في أجسامهم.
لكن المشكلة أن مضادات السموم ليست فعالة دائما في علاج اللدغات، وقد تحتاج الضحية لكمية كبيرة من مضادات السموم لأن عدد الأجسام المضادة في كل جرعة قد يكون منخفضا.
وتقول بوير: "قد تحتاج الضحية لما يتراوح بين قارورة واحدة و20 قارورة من مضادات السموم، بحسب اللدغة. وقد احتاج بعض الضحايا لما يصل إلى 100 قارورة في الولايات المتحدة".
ونظرا لانخفاض مستوى الأجسام المضادة في مضادات السموم، فقد تنشأ مشاكل أخرى مثل الصدمة التحسسية، عندما يتفاعل جهاز المناعة مع الأجسام المضادة المستخلصة من الحيوانات في الترياق. ويقول ألبوليسكو: "إن نسبة الأجسام المضادة التي تستهدف عناصر سامة معينة وتبطل مفعولها تتراوح بين 15 و20 في المئة، ولهذا تحدث آثار جانبية".
وقد يتراوح سعر القارورة الواحدة بين 18 و200 دولار، في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وقد يصل سعرها إلى 17 ألف دولار في بعض الأجزاء من الولايات المتحدة. وأسهم فريق بوير البحثي في تطوير دواء مضاد لسموم الأفعى الجرسية يباع في المكسيك والولايات المتحدة. ويتراوح سعره ما بين 100 و200 دولار للقارورة الواحدة في المكسيك، وقد يصل سعره إلى آلاف الدولات في الولايات المتحدة. واكتشفت بوير أن هذه التفاوت في السعر مرده إلى طريقة تمويل نظام الرعاية الصحية وليس تكاليف الإنتاج.
وتنتج بعض الدول في أمريكا اللاتينية، مثل المكسيك والأرجنتين والبرازيل، مضادات السموم منذ سنوات طويلة. وتقول بوير إن هذا ساعد في الحفاظ على الأسعار عند مستويات مقبولة وتأمين إمدادات مضادات السموم. لكن تكاليف العلاج في المستشفيات واللوائح التنظيمية، وضعف الطلب على مضادات السموم في الولايات المتحدة وأوروبا- إذ يتعرض 7 آلاف أو 8 آلاف شخص فقط في الولايات المتحدة للدغات الثعابين سنويا- أدى إلى رفع أسعار مضادات السموم في الولايات المتحدة ألف ضعف.
وقد أثر ارتفاع الأسعار على الدول التي تعتمد على مضادات السموم المستوردة. وتقول بوير: "من الصعب تربية الخيول في المناطق التي تنتشر فيها أمراض الخيول في أفريقيا، ولهذا تعتمد الكثير من الدول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على استيراد مضادات السموم من أوروبا".
وتنتج الهند أرخص مضادات سموم في العالم، فقد تتراوح تكلفتها بين 6.5 و11 دولارا للقارورة، لكن الكثير من المرضى لا يحصلون على العلاج الذي يحتاجونه بسبب مشاكل في جودة الأدوية وإتاحتها.
وتجد المجتمعات الريفية صعوبة بالغة في الحصول على العلاج، ويتحمل أفرادها العبء الأكبر للتسمم الناجم عن لدغات الثعابين بسبب ارتفاع تكاليف العلاج وفقدان مصدر الدخل الناتج عن الإصابة.
ويقول بيندوماداف: "يتعرض الأشخاص الأكثر فقرا في المجتمع للدغات الثعابين في الدول التي يسجل فيها أكبر عدد من لدغات الثعابين، مثل الفلاحين والعمال وليس السياسيين ورجال الأعمال، ولهذا فإن هذه المشكلة لا تحظى بالاهتمام الكافي".
وتستخدم المستشفيات في الهند مضادات سموم متعددة الأغراض، تصلح لعلاج التسمم الناجم عن لدغات الثعابين الأربعة الرئيسية التي تتسبب في الغالبية العظمى من اللدغات، مثل الكوبرا وأفعى كريت وأفعى الحراشف المنشارية وأفعى راسل. وتنتج مضادات السموم باستخدام السم المستخرج من هذه الثعابين الأربعة. لكن هناك أكثر من 60 نوعا من الثعابين السامة في الهند، ولا توجد أدوية مضادة لسموم معظم الأنواع من الثعابين. وأشارت دراسات إلى أن الأدوية المضادة لسموم الأنواع الأربعة الرئيسية ليست فعالة في علاج التسمم الناجم عن لدغات الأنواع الأخرى المهمة من الثعابين في الدولة.
وأشارت أبحاث إلى أن تركيبة المواد السامة في سموم الأنواع الرئيسية الأربعة قد تختلف من منطقة لأخرى في الدولة. وقد تصبح مضادات السموم المنتجة في جنوبي الهند أقل فعالية في علاج التسمم الناجم عن لدغات نفس النوع من الثعابين في الشمال.
ودشن صندوق "ويلكوم" مبادرة لتطوير أدوية جديدة لعلاج لدغات الثعابين في إطار جهوده لحل مشكلة نقص مضادات السموم، وتعهد برصد مبلغ 80 مليون دولار لتمويل أبحاث جديدة في هذا الصدد.
ويركز بعض الباحثين على إنتاج أدوية جديدة مضادة للسموم تصلح لعلاج التسمم الناجم عن لدغات طائفة أوسع من أنواع الثعابين، أو تسبب آثارا جانبية أقل مقارنة بمضادات السموم الحالية. ولهذا الغرض، اقترح البعض حقن السموم في الجمال بدلا من الخيول لتحضير مضادات السموم، بينما اقترح آخرون تصنيع مضادات سموم تتضمن أجساما مضادة مستخلصة من البشر، لكن سعر كلتا الطريقتين لا يزال باهظا، كما يصعب تطبيق ذلك من الناحية التجارية.
واتجه البعض لإنتاج أنواع أخرى من العقاقير التي قد تنجح في علاج بعض المركبات المضرة في سموم الثعابين. إذ اكتشفت ألبوليسكو أن الدواء المستخدم في علاج التسمم بالمعادن الثقيلة في ألمانيا، والذي يعرف اختصارا باسم "DMPS"، قد يستخدم في علاج التسمم الناجم عن لدغة الأفعى المنشارية. وتوجد هذه العائلة من الأفاعي في أفريقيا والشرق الأوسط والهند وسريلانكا وباكستان.
وعندما تواجه هذه الأفاعي تهديدا تحك حراشفها ببعضها وتصدر فحيحا مميزا وتنفث سما شديد الخطورة يشتمل على الإنزيمات المعدنية المحللة للبروتين "ميتالوبروتيناز". وتعمل جزيئات الزنك في سمومها على تحليل أغشية خلايا الأوعية الدموية، وهو ما يؤدي إلى حدوث نزيف دموي شديد حتى الموت.
واكتشفت ألبوليسكو أن دواء DMPS قد يحتجز الزنك في إنزيم ميالوبروتياز ويبطل تأثيره. وتقول ألبوليسكو: "يمكن إعطاء المريض هذا الدواء في صورة كبسولة عن طريق الفم بعد اللدغة مباشرة. واقترحنا استخدامها كأول علاج لإبطال مفعول بعض المواد السامة في سموم الأفاعي ومنع حدوث نزيف دموي حتى تصل الضحية للمستشفى". واكتشفت ألبوليسكو وفريقها أن نسبة النجاة من لدغات الأفاعي بين الحيوانات عند إعطائها دواء DMPS ومضاد السموم لاحقا تصل إلى 100 في المئة.
لا شك أن تطبيق هذا العلاج على البشر وضمان إعطاء الضحايا هذا العلاج في الوقت المناسب قد يكون صعبا. وتتضمن سموم الأفعى المنشارية مواد سامة أخرى قد لا ينجح هذا الدواء في إبطال مفعولها.
وربما يفضل تطوير عقاقير تصلح لعلاج التسمم الناجم عن لدغات طائفة أوسع من أنواع الثعابين، لأن الضحايا قد لا يميزون الأنواع التي تعرضوا للدغاتها حتى يحصلون على العلاج المناسب.
وعثرت ألبوليسكو وأعضاء فريقها على خليط من مثبطين للمواد السامة اكتشفوا أنه فعال في علاج طائفة أوسع من سموم الثعابين. وأعلنت مجموعة أخرى من جامعة كوبنهاغن في الدنمارك مؤخرا عن تطوير عقار مضاد للمواد السامة التي تؤثر على الجهاز العصبي الموجودة في سموم الكثير من الأفاعي، منها الكوبرا.
ويأمل الباحثون أن يؤدي هذا الاكتشاف لتطوير عقاقير يسهل تخزينها ووضعها في حقيبة الإسعافات الأولية للحد من تأثير سموم الثعابين إلى أن يحصل المريض على العلاج المناسب.
وتقول بوير: "إن هذه العلاجات قد تساعد الضحية على البقاء على قيد الحياة حتى الوصول إلى المستشفى حيث توجد مضادات السموم أو حماية أطرافها من الإصابة بنخر الأنسجة، وقد تقلل كمية مضادات السموم التي تحتاجها".
وضع أجهزة تتبع لاسلكية على الثعابين يساعد الباحثين في الهند في فهم سلوكيات الثعابين السامة
صدر الصورة،SUMANTH BINDUMADHAV/HSI
لكن هذه العلاجات التي تعتمد على الجزيئات الصغيرة لا تزال تحتاج لتجارب سريرية لإثبات فعاليتها.
وثمة جهود أخرى خارج المعامل لحماية الناس من لدغات الثعابين، مثل مؤسسة "أسكليبيوس" للدغات الثعابين، التي تدرب الأطباء والممرضات في أفريقيا على التعامل مع لدغات الثعابين، جنبا إلى جنب مع مبادرات الصحة العمومية لحماية الناس من اللدغات.
وتساعد المؤسسة السكان على التعرف على الأماكن التي ترتفع فيها مخاطر مصادفة ثعابين، مثل أماكن إزالة مخلفات البناء حول المنازل، كما تدرب المؤسسة قائدي الدراجات البخارية على إجراءات الإسعافات الأولية لنقل المرضى من المناطق النائية إلى مراكز العلاج.
وفي الهند، تدرب جمعية الرفق بالحيوان الدولية الأطباء حول ولاية كارناتاكا على التعامل مع لدغات الثعابين، وتعمل على توعية المجتمعات الريفية بالطرق البسيطة للحد من مخاطرها.
ويقول بيندوماداف، إن سم أفعى كريت، أحد الأنواع الرئيسية في الهند، قد يقتل الضحية في خلال سويعات، ويبدو أن نسبة حالات الوفاة الناجمة عن التعرض للدغاته أعلى بالمقارنة بسائر أنواع الثعابين. لكن هذه المخاطر يمكن الحد منها بخطوات بسيطة.
ويقول بيدوماداف مفسرا: "اشتهرت هذه الأفعى بلدغ الناس أثناء النوم على الأرض، وقد يكون الحل هو وضع ناموسية معتادة من أعلى. وهذه الناموسية في الهند لا يتجاوز سعرها دولارا".
ويشير بيندوماداف إلى مشاكل أخرى، منها نزوع البعض لنقل الضحايا إلى المعالج الروحاني بدلا من المستشفى، ويقول: "إن أفعى راسل أحيانا لا تحقن سما في جسم الضحية، لكن الذعر الذي ينتاب الشخص قد يسبب أعراضا نفسية، وهذه الأعراض سرعان ما تختفي بعد الذهاب للمعالج الروحاني. ومع الأسف، عندما تحقن الأفعى سما في جسم الضحية، سيؤخر الذهاب للمعالج إنقاذها".
ويعمل بعض الباحثين على تطوير تقنيات للمساعدة في التعرف على الضحايا الذين حقنت الأفعى سما في أجسامهم باستخدام الكاميرا الحرارية.
ويقول تاميلاراسو كاديرافان، أستاذ الطب بمعهد جوهرلال للتعليم العالي الهند: "إن معظم سموم الأفاعي، وغيرها من الحيوانات السامة، تسبب التهابا في الأنسجة في موضع اللدغة. ويصاحب هذا الالتهاب ارتفاعا في درجة حرارة الجلد، تظهر في التصوير بالأشعة تحت الحمراء في صورة نقاط ساخنة".
واستخدم كاديرافان وفريقه هذه التقنية للتعرف على ضحايا لدغات الثعابين الذين كانوا في حاجة ماسة للرعاية.
ويقول كاديرافان: "إن مضادات السموم تعد علاجا ثمينا. ففي الهند تصل تكلفة العلاج بنحو 20 قارورة من مضادات السموم للمريض الواحد إلى نحو 70 دولارا."، أما تكاليف استخدام التصوير بالأشعة تحت الحمراء فلا تتعدى دولارا للمريض. فإذا ساعد التصوير بالأشعة تحت الحمراء في منع إهدار مضادات السموم، فقد تستخدم هذه الأدوية لعلاج المرضى الذين يحتاجونها بالفعل".
تظهر مواضع الالتهاب الناتجة عن التسمم جراء التعرض للدغات الثعابين في صورة نقاط ساخنة في الصور الملتقطة بالكاميرا الحرارية (يسارا) مقارنة بالأجزاء التي لم تتعرض للتسمم
تظهر مواضع الالتهاب الناتجة عن التسمم جراء التعرض للدغات الثعابين في صورة نقاط ساخنة في الصور الملتقطة بالكاميرا الحرارية (يسارا) مقارنة بالأجزاء التي لم تتعرض للتسمم
ويطور أطباء في نيبال وسويسرا تقنيات بالفحص الجيني للمساعدة في تحديد نوع الثعبان المسؤول عن اللدغة، من خلال تحليل مسحات مأخوذة من موضع اللدغة. لكن الطريق لا يزال طويلا أمامهم لاستخدام هذه التقنية في حالات الطوارئ.
واستعان باحثون بالذكاء الاصطناعي للتعرف على أنواع الثعابين من الصور التي يلتقطها شهود العيان للثعبان. وكثيرا ما يلتقط المشاة صورا باستخدام هواتفهم المحمولة للثعابين للمساعدة في التعرف عليها. لكن هذه الصور لن تجدي نفعا لو لم يتدرب المعالج الطبي على تمييز أنواع الثعابين من بعضها.
وتطور إيزابيل بولون، الطبيبة البيطرية بجامعة جينيف بسويسرا، تطبيقا لتمييز أنواع الثعابين باستخدام الذكاء الاصطناعي. وقد يساعد تمييز نوع الثعبان الذي لدغ الضحية في ضمان حصول المريض على العلاج المناسب، كما يساهم في بناء قاعدة بيانات عن الثعابين المسؤولة عن اللدغات.
وبالتعاون مع سكان قرية راثنابوري الهندية، نجح بيندومداف وفريقه في وضع بطاقات تمييز لاسلكية على نحو 30 ثعبانا لتتبع سلوكيات الثعابين وتسجيلها على مدى ثلاث سنوات.
ويقول بيندوماداف: "نعثر على الثعابين يوميا، ونبحث عن مواطنها وما إن كانت تغير جلدها أو حصلت على غذائها ومدى قربها من المناطق التي يزاول فيها الناس أعمالهم، للحصول على معلومات دقيقة قد تساعد الناس في تفادي الثعابين واحترامها".
وكانت مشاركة السكان في هذا البحث ضرورية لتشجيع الناس على تقبل الأدوية والتدابير الوقائية لتفادي لدغات الثعابين. فلا يحبذ المزارعون، على سبيل المثال، استخدام الأحذية أو المصابيح في الحقول لأنها تقيد حركتهم، وقد فشلت جهود مشابهة لتوزيع الأحذية المطاطية على المزارعين في أفريقيا لأنهم كانوا يجدون الأحذية غير مريحة ولأن المطاط كان ثمينا، ولهذا كان المزارعون يبيعون هذه الأحذية بعد توزيعها عليهم.
وقد ساعدت هذه المعلومات في تبديد مخاوف بعض المزارعين مثل راو، ويقول: "كنا نخاف بشدة من الثعابين ونهرب منها أو نمتنع عن العمل في المنطقة التي نعثر عليها فيها، والآن بعد أن تعرفنا على بعض المعلومات عنها، أصبحنا نستخدم عصا للبحث في المنطقة قبل أن نبدأ العمل".
ويأمل راو أن يتيح التعرف على أفعى راسل وسلوكياتها للمجتمع التعايش في سلام مع الثعابين بدلا من العيش في صراع معها طوال الوقت.
ويقول بيندوماداف: "كان الناس يقتلون الثعابين عند رصدها، لكن الآن كلما زاد فهمنا لها سيقل عدد الثعابين التي يقتلها الناس".
ويطمح بيندوماداف في منع وقوع حالات وفاة جراء التعرض للدغات الثعابين في المنطقة بأكملها حول القرية ويقول: "نأمل أن نوسع نطاق هذه المبادرة في المناطق الأخرى. فالثعابين كائنات أساء البشر فهمها، ولا يوجد مبرر لوقوع حالات وفاة جراء التعرض للدغاتها".